من عمق بادية الزبير إلى أطراف شط العرب .. الألغام .. الموت الكامن تحت التراب

المربد: طعمة البسام / رياض البزوني 

في الصحراء المترامية الأطراف في بادية الزبير في جنوب البصرة، كما في الحقول المزروعة في أطراف شط العرب شرق البصرة، ثمة موت يترصد ضحاياه..يتحين الفرصة لينقض على الأرواح البشرية، لا يفرق بين شاب أو طفل أو شيخ أو امرأة..هكذا فجأة وبدون سابق إنذار يدوي الصوت فيحول ضحاياه إلى أشلاء ممزقة. 

آخر هؤلاء الضحايا ثلاثة أطفال كانون يرعون نعجات لهم، وبينما كانون يعبثون ويلعبون، وإذا بانفجار هائل يمزق أجسادهم الغضة فيقتل اثنين ويقطع أوصال ثالث.

المربد في خيمة العائلة المنكوبة 
المربد ذهبت إلى مكان الحادث والى عائلة  الأطفال المنكوبة، حيث قدمت لهم التعازي أولا، واستطلعت تفاصيل الحادث ثانيا.

استقبلنا أهالي الأطفال – الضحايا، في خيمتهم المتواضعة حيث حدثنا جد الأطفال السيد أبو خير الله قائلا: نحن أصحاب حلال، وهذا هو عملنا، ومصدر عيشنا، وبينما كنا نحن هنا جالسين في هذه الخيمة، وإذا بنا نسمع صوت انفجار قوي عند حدود الساعة الرابعة عصرا، ونحن لا نعلم بوجود ألغام هنا في هذا المكان..اثنان من الأطفال وهما بنت عمرها ست سنوات وولد عمره تسع سنوات ماتوا في الحال، أما الثالث وعمره أربع سنوات فقد قطعت رجلاه الاثنين ويده اليمنى وإحدى عينيه..وهو الآن في المستشفى وفي حالة خطره.

ويستطرد أبو خيرالله قائلا: إنه لا توجد لديهم كهرباء أو ثلاجة ولا ماء بارد، وحتى الأولاد لم يدخلوا المدارس.

الأم لم تعلم بعد لما حدث لاطفالها 
وأثناء حديثنا مع الحاج أبو خير الله كان يجلس معنا جاره الذي قال لنا إنه يعمل مزارعا..ولكنه دائم اللقاء بأبي خيري مؤكدا انه أصيب بالألم جراء الحادث حيث كان وقع الانفجار الذي أودى بحياة أطفال أبرياء قائلا انه كان هنا في هذه الخيمة حين سمعوا دوي انفجار، وحين خرجوا فزعين رأوا هول الفاجعة حيث تقطعت أجساد الصغار، إلى حد أنه تم العثور على أيديهم وأرجلهم ولحومهم في اليوم الثاني من وقوع الحادث.

وأضاف قائلا إن الأطفال كانون يرعون خمسة خراف وهي الأخرى قد تقطعت أشلاء.

أحد أشقاء الضحايا قال لنا: إنه لم يكن موجودا أثناء وقوع الحادث لأنه كان مع والدته في المستشفى حيث أجريت لها عملية في مدينة الناصرية..وإن أم الضحايا لم تعلم بعد بالذي حدث لأولادها.

شط العرب .. ضحية أخرى 
ومن بادية الزبير إلى شط العرب حيث التقينا بضحية أخرى من ضحايا الألغام حيث بترت رجل الشاب كرار، كرار كان يستقل دراجته النارية ذاهبا إلى عمله كحارس في إحدى الشركات، وحين أوقف دراجته جانبا، وذهب جانبا لقضاء حاجة، وإذا بلغم انفجر فجأة وبتر رجله اليسرى، حيث يقول إن لم يشعر في بداية الأمر بألم، حيث ركب دراجته ووصل إلى الشارع، وهناك استنجد بسائق سيارة أوصله إلى المستشفى حيث قرر الأطباء بتر الساق إلى مادون الركبة.

كرار لديه طفل اسمه حيدر يبلغ تسعة أشهر ولديه ثلاثة إخوة أشقاء صغار هو المسؤول عنهم بعد وفاة والدهم ووالدتهم عام 2014، وأنه يحتاج من 5-6 أشهر ليستطيع استخدام طرف صناعي وهو يناشد الجهات المعنية أن تساعده في الحصول على عمل ليعيل طفله وإخوته الصغار.

الألغام الأرضية التي هي من مخلفات الحروب التي شهدها العراق طوال الأربعين سنة الماضية..موت مؤجل للكثيرين ممن تسوقهم حظوظهم العاثرة للعثور بتلك الألغام..أنه موت يترصد ينام تحت التراب قد يستيقظ فجأة فيسلب الأرواح أو يبتر الأطراف..أما من أحد يقلع ذلك الموت المختبئ؟.