"أبو مجبل" البدوي الذي يتكلم لغة الإبل: عندي موكبين حسينيين وفقدتُ ثلاثة من أبنائي احدهم في "سبايكر"

تحقيقات
4 أيار 2024

المربد: طعمة البسام / رياض البزوني
ثمة علاقة وشيجة ولغة تخاطب خاصة بين هذا الرجل وبين جماله، وبسبب العشرة الطويلة والتعايش المستمر فهناك روابط غامضة بين الرجل وحيواناته، فالكائنات الأخرى أمم أمثالنا.

هكذا هو الحاج أبو مجبل الذي يجهل تاريخ ميلاده ولكن سنواته الطويلة أحنت ظهره، ولم يكن "أبو مجبل" ليتحرك إلا بعصاه التي يتوكأ عليها ويهش بها على إبله الحبيبة إلى قلبه، وليس له فيها مآرب أخرى.

                          

المربد التي كانت في منطقة أم الشوش بأطراف قضاء البطحاء في محافظة ذي قار التقت بالرجل الذي يتحدث مع إبله كما يتحدث مع أصدقاءه، حيث تفهمه ويفهمها، ويتفاعل معها وتتفاعل معه، فأثناء اللقاء كان ثمة ناقة صغيرة تتودد له وتتقرب منه، وتتشمم ثيابه.

عاش في الكويت 13 عام ثم عاد إلى العراق

يقول "أبو مجبل" إنه قضى معظم سني حياته في البادية مع إبله، يبحث وإياها عن الماء والكلأ، وبمرور الأيام والسنين، توطدت وشائجه مع هذا الكائن الذي ضرب الله به مثلا في عجيب خلقه، وغريب تكوينه.

ويشرح أبو مجبل للمربد وقائع من حياته ويقول إنه استقر به الحال يوما في الكويت، وظل هناك ثلاثة عشر عاما، حيث اشترى مزرعة وعمل فيها طوال تلك السنوات مع رعيه المستمر للإبل في البادية، ثم جاء إلى العراق عام 1990، ليبحث عن أوراق أجداده القديمة وسجلات نفوسهم، فاستُخرجت له الجنسية العراقية. 

"أبو مجبل الشمري" يطلق على إبله الأسماء المحببة إلى قلبه: "وضحة" و"لطيفة" و"عفرة" و"كالطة" و"الخبلة" و"جنبه" و"عفايف" وهي أسماء - كما يقول - مستمدة من البادية.

يتحدث الرجل بفخر عن امتلاكه لموكبين حسينيين يخدم خلالهما زوار الأربعينية خلال مرورهم بمنطقته وهو متزوج من امرأتين ويقول إنه فقد ثلاثة من أبنائه، أحدهم في حادث سير قرب الموكب، وآخر استُشهد في معسكر سبايكر، وثالث توفي في انفجار لغم حين كان يعمل بإحدى الشركات قبل سنتين وهو يحمد الله ويقول إنه راض بما قسمه الله له.

الجمل يعرف صوت صاحبه ويشم رائحته

ويواصل أبو مجبل حديثه للمربد قائلا: إن الجمل يعرف صوت صاحبه بل ويعرف حتى رائحته، ويتحدث عن واقعة وقعت له حين كان بمنطقة "بصية" في عمق بادية السماوة حين افتقد إبله وفي الليل نادى بأعلى صوته فجاءته إبله حين سمعت صوته، والإبل "تفل" أي أنها تذهب إلى المرعى وتعود إلى "مراحها" مع الغروب حتى بدون راع يرعاها ويوضح أنه ورث مهنة تربية الإبل عن أبيه وأجداده فهم أصحاب "بيوت شعر" كما يقول.

يعود الرجل ليتحدث عن تربية الإبل ويقول انه يخدع أحيانا (الحِيران) _بكسر الحاء_ وهي صغار الجمال حين يريد فطامها وذلك بوضع خرقة من قماش على ضرع الأم، فيمتنع الصغير عن رضع ضرع أمه.

                        

ويختم الرجل حديثه قائلا: إن أناسا من البصرة كان عندهم مريض، وقد جاءوا إليّ يريدون حليب النوق، وقد أعطيتهم ذلك، وبعد شهرين جاءوني من جديد وقدموا لي مبلغا من المال، لمناسبة شفاء مريضهم إلا إني رفضت طبعا استلام النقود.

أبو مجبل يبدو سعيدا، ومطمئن البال _رغم المحن التي مرت به_ وهو يعيش مع أصدقاء حياته: الجمال والصحراء والفضاء الفسيح والعشب الاخضر وصوت الربابة.

لمشاهدة الفيديو ضمن برنامج بين الناس انقر هنا



المزيد من تحقيقات

Developed by AVESTA GROUP